الوحدة اليمنية المؤقتة- طوفان الأقصى يجمع اليمن المتفرق.

يتراءى للمراقب الخارجي أن الشارع اليمني قد اتحد في خضم أحداث طوفان الأقصى، وذلك عقب حرب طاحنة استمرت قرابة عقد من الزمن، خلّفت وراءها عشرات الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح، ومزقت أوصال اليمن، ودمرت مؤسساته وبنيته التحتية المتداعية، وفرّقت بين مدنه ومكوناته، وأدت إلى أزمة اقتصادية تعتبر الأشد وطأة على مستوى العالم، حسب تقارير المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من هذا المشهد القاتم ودخول الحرب في نفق مسدود – في ظل غياب الحكمة والتعقل الذي عُرف به أهل اليمن، وتعدد الأجندات والكيانات والتشكيلات العسكرية ذات الولاءات المتضاربة – إلا أن عملية "طوفان الأقصى"، وما تلاها من مأساة في غزة نتيجة للعدوان الإسرائيلي الشرس على القطاع، استطاعت أن تجمع كلمة اليمنيين من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، وذلك لما تحظى به فلسطين وقضيتها العادلة من مكانة راسخة في قلوب الشعب اليمني بكافة أطيافه.
واقع معقد
إلا أن هذه الصورة الوردية لا تعكس حقيقة الواقع المرير الذي لا يزال بالغ التعقيد، حيث فقدت أغلبية الشعب اليمني ثقتها بشكل كامل في جميع الأطراف المتناحرة، سواء جماعة الحوثي التي تسيطر على معظم المحافظات الشمالية والغربية ذات الكثافة السكانية العالية والتضاريس الجبلية الوعرة.
أو الحكومة الشرعية بمختلف تشكيلاتها المتباينة والمتنافسة والتي تهيمن على المساحة الجغرافية الأكبر وعلى الشريط الساحلي الممتد من جنوب محافظة الحديدة غربًا، مرورًا بمضيق باب المندب وخليج عدن، وصولًا إلى سواحل سلطنة عُمان شرقًا والجزر التابعة لها بما في ذلك جزيرة سقطرى الإستراتيجية وأغلب الموانئ والمطارات.
إلا أنها ورغم التغيير الشكلي الأخير لرئيس وزرائها تبدو عاجزة تمامًا عن تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب اليمني، وتقديم حلول ناجعة للتخفيف من معاناته الاقتصادية المتفاقمة، أو حتى منع تدهورها، والأمر ذاته ينطبق على الحوثيين، فالمواطن اليمني هو آخر من يفكر فيه هؤلاء، بل ويبدو أنه خارج حساباتهم جملة وتفصيلًا.
تصدرت جماعة الحوثي المشهد التضامني بجدارة واستطاعت أن تحول تهديداتها إلى واقع ملموس من خلال استهداف السفن التي تربطها علاقة بإسرائيل أو المتجهة نحو موانئها، وكذلك السفن الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب.
ومنحها هذا التضامن والقصف الأميركي البريطاني المتواصل لليمن – بهدف ردعها عن موقفها وتقويض قدراتها – فرصة لا تقدر بثمن.
وذلك إن أرادت تصحيح أخطاء الماضي واستغلال هذا التقارب بين اليمنيين الذي نجم عن الحرب الإسرائيلية على غزة وجعله نقطة انطلاق حقيقية لإعادة بناء الثقة مع الشعب اليمني، ومراجعة جادة لطريقة إدارتها للمحافظات التي تقع تحت سلطتها.
لا سيما أنها – على ما يبدو – الطرف المستفيد الأكبر في هذه المرحلة – حتى الآن على الأقل – والجهة صاحبة النفوذ الأقوى، ويدها تصل حتى المناطق التي تقع تحت سيطرة القوى المعارضة لها بما في ذلك موانئها ومطاراتها وسواحلها ومنشآتها الحيوية، وذلك بفضل ما تمتلكه من ترسانة صواريخ متطورة وطائرات مسيّرة قامت بتطويرها بدعم صريح وعلني من النظام الإيراني.
في المقابل، تبدو الشرعية بكل مكوناتها المتنافرة في أضعف حالاتها وأكثرها حرجًا منذ اندلاع الحرب مع الحوثيين في مارس 2015.
مبادرات منتظرة
كل ما يأمله اليمنيون اليوم – وهم يخرجون نصرة لغزة وأهلها في جميع المدن وفي مختلف الساحات والميادين – أن تبادر جميع الأطراف والكيانات المتنازعة – مستلهمة هذا المشهد التضامني العظيم – إلى فتح الطرقات والسماح بحرية السفر والتنقل بين المدن اليمنية عبر الطرق الرئيسية، بدلًا من الطرق البديلة والوعرة التي تعرض حياتهم للخطر الشديد، وتستغرق منهم وقتًا أطول وتتطلب جهدًا مضنيًا.
إذ ليس من المنطقي أن نطالب العالم بالضغط على إسرائيل لفتح معابر غزة وفك الحصار الخانق عنها، بينما المدن اليمنية ترزح تحت الحصار والطرق الرئيسية المؤدية إليها مغلقة.
وفي الختام؛ ومن باب التمني، نتساءل: هل يستطيع هذا الطوفان أن يجمع شتات ما فرقته السياسات العقيمة؟! وهل يتمكن اليمنيون من إصلاح ما أفسدته الصراعات المدمرة التي نخرت كل محاولاتهم لبناء سد يجمع كلمتهم ويوحدهم، ويمكنهم من المضي قدمًا نحو تحقيق حلم الدولة اليمنية الحديثة المزدهرة؟!
